يشير الدكتور محمد عبدالفتاح القصاص في مقدِّمة كتابه المُعَنْوَن “التصحُّر.. تدَهْور الأراضي في المناطق الجافة” إلى أنَّ مصطلح التصحُّر يَعني: تدَهْوُر الأرض المنْتِجة خارج الحدود الطبيعيَّة للصحراء، وتفْقد قدرتَها على الإنتاج؛ محاصيل الزراعة، وكلأ المراعي، والخشب وأحطاب الوقود، وتتحوَّل إلى ما يشْبه الصحراء شَحِيحة الإنتاج.
أسباب التصحر:
وتوضِّح إحصاءاتُ الأمم المتَّحدة أنَّ أراضي المناطق الجافة المتدهْورة – لدرجة متوسِّطة على الأقل – بالتصحُّر في العالَم تبلغ 3.9 مليار هكتار؛ أيْ: حوالي ٧٥٫١ % من جملة الأراضي الجافَّة خارج نطاق أراضي الصَّحاري بالِغَةِ الجفاف، وأنَّ الأراضي المتدهورة تَقَع في حوالَيْ مائة قُطْر، وأنَّ عدد السكان المتأثِّرين على نَحْو مباشر بأضْرار التصحُّر يبلغ حوالي ٧٨٫٥ مليون نسمة، وأنَّ الخَسارة السَّنوية الناتجة عن التصحُّر في العالَم تبلغ ٢٦ مليار دولار، وأنَّ بَرنامَجًا دوليًّا لمكافحة التصحُّر يُكلِّف حوالي 42 مليار دولار في السَّنة الواحدة لمدَّة عشْرين عامًا؛ أيْ: جملة تكلفة البرنامج 840 مليار دولار.
ويتناول الكِتَابُ ظاهرة التصحُّر في الدول العرَبيَّة؛ كلٌّ على حِدَة، فيذْكَر بخصوص “الأردن” أنَّ لِتَدهور الأراضي هناك مجموعتَيْن من الأسباب:
الأولى: مجموعة العوامل الطبيعية المتَّصِلة ببيئة الأراضي الجافَّة: قلة المطر، والتغيُّر السَّنَوي ما بين السنوات العجاف “نوبات الجفاف” والسنوات السِّمَان “المطر أعْلَى من المتوسِّط”، والتُّرْبة فقيرة في مُحتوى الغذاء، وهشَّة البِناء، ومِن ثَمَّ تكون عرْضةً للتعْرِية.
والثانية: مجموعة العوامل المتَّصلة بفعل الإنسان: الرعْي الجائر، الزِّراعة التي لا تُراعِي التوازن البيئي، تَغَوُّل العمْران في الحضَر وفي الرِّيف على أراضي الزِّراعة والمراعي، قطْع أشجار الغابات والأحْراج.
أمَّا مظاهر هذا التَّدهور فترجع إلى تدْمير الغطاء النباتي وتدْمير التربة، يضاف إلى ذلك زحْفُ تكاوين الرِّمال.
أما في دولة “الإمارات” فإنَّ أسباب التصحُّر ترجع إلى عدد من الأسباب، أَبرزها:
أ – تدَهْوُر المياه الجوفيَّة: وهي مصْدرٌ رئيسي للرَّي، بانْخفاض مستَوى الماء في الآبار، وزيادة درجات الملُوحة، ويَرجع هذا إلى استِنْزاف هذه الموارد المحدودة.
ب – تدهور الغِطَاء النَّباتي: وخاصَّةً الأنْواع الخشبية، بسبب الاحْتطاب والتَّقطيع، وخاصة في الماضي للاستخدام كوقود.
ج – الرعي الجائر: زيادة عدَدِ القطْعان على قدرات المراعي على الحمل.
وإزاءَ ذلك تتبنَّى دولةُ الإمارات إستراتيجيةً متكاملة؛ لِمُقاومة التصحُّر، وهي جزء من برامج التنمية الزراعية وتحسينِ البيئة، تقوم على الأسُس التالية:
• التَّشْجير والأحْزمة الخضْراء: أُقِيمت الأحْزمة الخضراء على جانِبَي الطُّرُق الرئيسية، وتستهدف تَحسين البيئة، وحمايةَ الطرق من زحْف الرمال، وكذلك تُقام أسْيِجَة خضْراء حول القرى.
• تنمية وصَوْن المرَاعي: يَجمع هذا الجهدُ بين زراعة الأعْلاف المرويَّة في حقولٍ تَزْرَع بعضَها الدولةُ، وتُعِين على إقامة البعض الآخَر، وتُتِيح الدولة الأعلافَ للرُّعاة بأسعار مخفَّضة، وفي إتاحة هذه الأعلاف تَخفيفٌ من كثافة الرَّعْي في المراعي الطبيعية.
• تنمية الزراعة: تُعِين الدولةُ المزارعين على حفْر الآبار، وتقدِّم القروض للتوسُّع في الزِّراعات المَحْميَّة، كذلك يُعاوِن الإرشاد الزراعي ومراكز البحوث الزِّراعية على إدخال تقْنيات الريِّ والفلاحة الحديثة.
• برامج مسْح وتقْييم مصادر المياه، وتشجيع استخدام تقْنيات الريِّ بالتَّنْقيط في استِزْراع الأشجار، واستخدام مياه الصَّرْف الصحِّي المعالَجة، والتوسُّع في إنشاء محطَّات تحْلية مياه البحر.
التصحُّر في المملكة العربية السعودية:
ثم يَنتقل المؤلِّف إلى تناول ظاهِرة التصحُّر في الممْلكة العربيَّة السعودية، ويوضِّح أنَّها في قلْب النِّطاق الصَّحْراوي الممتدِّ من شمال إفريقيا إلى آسيا، وأنَّ المُنَاخ السائد فيها صحْراويٌّ قارِّي في الداخل، والمطَر يتراوح بين ٥٠ و١٠٠ ملليمتر في السنة، والمرتفعات الغربية يتراوح فيها المطر من ٢٠٠ إلى ٥٠٠ ملليمتر في السَّنَة، ووَضْعها الساحلي وارتفاعها يُتِيحان لها استقطار كمِّيات إضافيَّة من التساقط تَكفي لنمُوِّ الغابات.
وتعدُّ الموارد المائية السَّطحية محدودةً؛ لقلَّة المطر، وتوجد عدَّة سدودٍ سطْحيَّة لحصاد مِياه الودْيان، ولكنَّ مواردَ المياه الجوفية ثريَّة؛ لوجود عدَّة طبَقات حاملة للمياه، وهي في الغالب مياه قديمة مُختَزنة، وأبرز الطَّبقات الرَّئيسية هي طبَقة السَّاق في مَنْطِقة “القصيم” و”حائل” و”تبوك”، وطبقة الوجيد في مناطق “وادي الدواسر” و”نجران” و”الرَّبْع الخالي”، وطبقة الوسيع تمتد من “وادي الدواسر” في الجنوب إلى “وادي العتش” في الشمال و”البحرين” في الشرق، وطبقة النيوجين تمتد من “وادي الفيران” في الشمال إلى حدود “الأردن” وتمتدُّ شرقًا إلى منطقة “الخليج العربي” و”الرَّبْع الخالي”، ويتَراوح عمْقُها من١٠٠ إلى ١٨٠ مترًا.
ويوضِّح المؤلِّف أنَّ مِن أبرز مظاهر التصحُّر في “المملكة العربية السعودية”:
1- حركة الرمال: وخاصَّة في المناطق التي تدهْوَر فيها الغطاء النباتي، ومَخاطر ذلك بارِزَة في مناطق الواحات، وخاصَّة “واحة الأحساء”.
2- تملُّح التربة وانتشار السَّبخات.
3- تدهْور الغطاء النباتي في المراعي؛ بسبب الرعْي الجائر والاحتطاب، وتقدَّر مساحات أراضي المراعي المتضرِّرة بحوالي ٢٨ % من جملة أراضي المراعي.
4- تدهورَ الغابات: وخاصَّة في المرتفَعات الساحلية العليا.
5- استنْزافَ موارد المياه الجوفية.
ويَلْفت المؤلِّف إلى أنَّ مكافحة التصحُّر في “المملكة العربية السعودية” – شأْنُها في ذلك شأنُ أقطار الأقاليم الصحراوية – جزْءٌ من برامج تنمية موارد الأرض والمياه، واستصلاح الأراضي.
وقد اعتمدَتْ هذه البرامج على مسُوح شاملة للموارد الطبيعيَّة: الموارد المائية، الغطاء النباتي وموارد المراعي، مسوح الغابات، مسوح ودراسات التَّرْبة، دراسات المُنَاخ وتطوير شبكة الأرصاد الجوية.
وتضمنت برامجُ التنمية القطاعاتِ التالية:
1- برنامج التنمية الزِّراعية.
2- برنامج تطوير الموارِد المائية.
3- برنامج تطوير المَراعي.
4- برنامج تثبيت الكُثْبان الرَّمْلية.
5- برنامج التشجير وإنشاء المُتَنَزَّهات الوطنية.
6- برنامج المحْمِيَّات الطبيعية.
7- إصدار التشريعات الخاصة بحماية الموارد الطبيعية.
مكافحة التصحُّر:
ويؤكِّد المؤلِّف على أنَّ هناك ثلاثَ وسائل رئيسيَّة لمكافحة التصحُّر، وهي الوسائل التِّقنيَّة والاقتصادية والاجتماعية؛ إذْ إنَّ صَوْن الأرض من التَّدهور يَعني صَوْن عناصر النِّظام البيئي جَميعًا، وتشمل التُّرْبةَ والنموَّ النباتي والمياه، وصوْنُ التربة يَعني المحافظة على خصوبتِها، وحمايتَها من أضرار التعْرية والانجراف والتلوث والتملُّح.
صَوْن النموِّ النباتي يَعني المحافظة على قدرة النموِّ النباتي على بناء الكتلة الحيَّة وإنتاج المحصول، وقد يَعني زيادة هذه القدرة وتَحسين نوعية الإنتاج.
ونلاحظ أنَّ لِنموِّ النبات دورًا في الإنتاج، ودورًا في حماية التُّرْبة من عوامل التَّعْرية، وصوْن المياه يَعني ترشيد استخدامها، والعمل على زيادة كمِّ المتاح منها؛ لأنَّها عصب الحياة.
ففي الغابات والأحْراج تكون مكافَحة التصحُّر بِصَون ما تبقَّى من نمُوِّ الأشجار والشجيرات، واستزراع الأشجار حيث يتيسَّر ذلك (التشجير الحراجي).
ويشير المؤلِّف إلى أنَّ مشْروعات مكافحة التصحُّر وصوْن نظُم الإنتاج في المَراعي والزِّراعات المطريَّة والزراعات المرويَّة، وتثبيت الكثْبان الرمْلية – مشْروعات ذات عائد في إطار المدَى الطويل، ومن ثَم تحتاج إلى (تمويل طَويل المدى) وليس إلى قروض قصيرة على نَحْو ما يُتاح في سُوق المال، وعائد هذه المشروعات مَحْدود من الناحية الماليَّة، ولا يَنهض للمنافسة في سوق المال مع مشروعات التنمية والخِدْمات، ولكنَّه جليل من الناحية الاجتماعية.
فمثلاً نجد في التَّجربة الأمريكية لمكافحة التصحُّر فيما بين الثلاثينيات والخمسينيات من القرْن الماضي – أنَّ الحكومة الفيدراليَّة أنْفقَتْ أموالاً سخيَّةً لِدَعم المُزَارعين والرُّعاة في المناطق الجافَّة، ولِعَونِهم على البقاء والاستقرار في تلك البيئات ذاتِ الموارد المائية الشحيحة والمتغيِّرة.
كذلك يتضمَّن مصطلح “مكافحة التصحُّر” الأنْشطة الَّتي تشكِّل جزءًا من التنمية المتكامِلَة للأراضي في المناطق القاحلة وشبْه القاحلة وشبه الرطْبة الجافَّة من أجْل التَّنمية المسْتَدامة والَّتي تَرْمِي إلى:
• منْع و/أو خفْض تردِّي الأراضي (صون).
• إعادة تأهيل الأراضي التي ترَدَّتْ جزئيًّا (إصحاح).
• استصلاح الأراضي التي تصحَّرَت (استصلاح).
وأخيرًا يؤكِّد المؤلِّف على أنَّ:
مشروعات مكافحة التصحُّر والتنمية المستدامة بصفة عامَّة تتطلَّب – أيضًا – مشاركةَ المواطِنين في تحَمُّل أعباء التنمية، من خلال برامج التَّوعية والتعليم والتدريب، ومشاركة مؤسَّسات المجتمَع المدَنِي التي تقوم بحشْد الناس، ودَفْعهم نحو خُطَط التنمية؛ لتحقيق الرَّفاهية الاقتصادية.